موضوع: للتِـخَلصِ من إلضَيشق ؤإلهمؤمَ ! السبت 16 يونيو 2012, 8:57 pm
للتخلص من الضيق والهموم
علاج الحزن والاكتئاب من واقع القرآن والسنة
ما هو العلاج؟
إن في القرآن والسنة الوقاية والعلاج لحالات الحزن والاكتئاب ،وخاصة ما كان منها لأسباب خارجية ، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ؛ إذأنه – سبحانه – جعل القرآن شفاءً ورحمة للمؤمنين ، وما عليهم سوى العودة إليه وإلىسنة المصطفى ليفوزوا بالسعادة والراحة في الدارين .
أولاً : العقيدة :
إن للعقيدة أثرا كبيراً في الوقاية وعلاج الاكتئاب والعقيدة نسمععنهاكثيرًا ، ولكن كثير من الناس لا يعلمون مدلول هذه الكلمة ، وما مقتضاها ، ومانتائجها ...
والعقيدة لها أثر كبير على مشاعر الإنسان وسلوكه .
وسنستعرض بعض جوانبها ، وأثر هذه الجوانب في الوقاية من الاكتئابوعلاجه :
( أ ) في القضاء والقدر
عقيدتنا نحن المسلمين في القضاء والقدر تمنعنا من الحزن الشديد ؛ ففيالحديث الصحيح الذي رواه الترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – جاء فيه قول النبيصلى الله عليه وسلم :
( واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيءقد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك (
فعندما يعلم الإنسان أن الأمور مفروغ منها ومكتوبة ، فإنه لا يحزن ،وكيف يحزن وهو يعلم بأن هؤلاء البشر الذين حوله لا يستطيعون أن يضروه ولا أن ينفعوهإلا بقدر الله ؟ فلم القلق إذن ، ولم الحزن الشديد .
( ب ) الإيمان باليوم الآخر :
إن الذي يؤمن باليوم الآخر يعلم أن هذه الدنيا لا تساوي شيئًا؛ فهي قصيرة جداً .. وعندما يفقد عزيزًا يعرف أنه سيلتقي به في الآخرة – إن شاءالله - ، والذي يؤمن بالآخرة يتصور أن كل هذه الدنيا لا تساوي عند الله شيئاًبالنسبة للآخرة ، فعندما يفقد جزءاً صغيراً من هذه الدنيا فإنه لا يحزن الحزنالشديد ، ويتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربةماء ) [رواهالترمذي]
( ج ) الإيمان بأسماء الله وصفاته :
يعتقد بعض الناس أن الإيمان بالأسماء والصفات مسألة عقدية ذهنية مجردة؛ كأن نؤمن بأن الله هو الملك ، وأنه الحكيم القادر الباسط المعطي … وغير ذلك ، دونأن يكون لهذه الصفات والأسماء مدلول وأثر في حياة المسلم ؛ ولذلك فهؤلاء لايستفيدون من إيمانهم هذا الاستفادة المرجوة والحقّة . والحق أن الإيمان بها ليس مجردًا ، إنما له تأثير فيواقع الإنسان ؛ فالمسلم الذي يؤمن بأن الله هو الملك ، يؤمن بأنه له –سبحانه – الحقفي المنع والعطاء ، فلا يعترض عليه والذي يؤمن بأن الله حكيم لا يقدر شيئًا إلالحكمة – سواء أدركها الإنسان ذو العقل القاصر أم لم يدركها – هذا يتقبل الأحداثويعلم أن فيها خيرًا له ، وقد تخفى الحكمة أو بعضها على الناس وقد يكتشفونها أويكتشفون بعضها في وقت لاحق .
( د ) مفهوم المسلم للمصائب والأحزان : إنه مفهوم خاصٌ بالمسلمين ، جديرٌ بأن يكتب بماء منالذهب ، وأمّا الذين لا يعيشون هذا المفهوم فإن حياتهم تسير في نكد وضنك .
أمّا المسلم فإنه يؤمن بأن المصائب قد تكون علامة على محبة الله للعبد، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن اللهإذا أحب قوماً ابتلاهم ).
[ رواه أحمد . انظر : صحيح الجامع الصغير ، رقم الحديث 1702 ]
كما أنه يؤمن بأن الابتلاء يكون على قدر الإيمان ، ويذكرالحديث رسول الله : ( أشد الناس بلاءاً: الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ).
[ رواه الطبراني . انظر : صحيح الجامع الصغير ، رقم الحديث 1003 ]
فكلما زاد الإيمان زاد الابتلاء ، وكلما كان الابتلاء هيّناً ، كانالإيمان على قدره . ويشهد لذلك حديث رسولالله صلى الله عليه وسلم (فإن كان في دينه صلبةاشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه ) .
[ انظر : صحيح الجامع الصغير ، رقم الحديث 1003 ]
ويؤمن المسلم أيضاً : بأنه بمجرد حصول المصيبة فإنه سيؤجر عليها ـنهيك عن موضوع الصبر عليها – فرسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولاهم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم ؛حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه ). [رواهأحمد والشيخان ]
فإذا اعتقد المسلم هذا ؛ فإنه يطمئن بإيمانه بالله ، ويزدادتوكله على الله واستسلامه لقدره. فكيف إذا أضافإلى ما سبق صبره على المصيبة ؟ لا شك أن في الصبر على المصائب أجراً عظيماً عندالله سبحانه وتعالى ... يقول الله – عز وجل - :
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ). [ سورة الزمر : 10 ]
فالمؤمن في كل أحواله في خير .
روى مسلم في صحيحه أن رسول الله قال ( عجباً لأمر المؤمن ؛ إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صــبر فكــإِنَّ خيراًله ) [ أخرجه مسلم ، في كتاب الزهد ]
فمفهومنا عن الابتلاء مفهوم خاص وعظيم تكتب فيه مجلدات ، ويمكنهبمفرده أن يقينا المشكلات ويقينا الحزن – بإذن الله تعالى- .
ثانيًا : ( من العلاج ) : التقوى والعمل الصالح :
فما من شك أن تقوى الله – عز وجل – والعمل الصالح هما بذاتهمايشكلان وقاية للإنسان من الحزن والاكتئاب والضيق . يقولالله – عز وجل - : ( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثىوهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ). [ سورة النحل : 97 ]
إذن ما هي الحياة الطيبة ؟
أو ليست هي السعادة والطمأنينة ؟ أي وربي ،فكل الباحثين عن السعادة ،وكل من تكلم عن الحياة الطيبة ، لن يصلوا إليها إلا بالعمل الصالح ، يقول إبراهيمبن ادهم – رحمه الله : ( والله إننا لفي نعمة لو يعلمبها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ).
إذن :هي نعمة الإيمان والطمأنينة ، إنهاالسعادة الحقيقة التي لم يجدها الكثيرون منالناس.
ثالثًا : الدعاء والتسبيح والصلاة : والدعاء منه ما يكون وقائيًا ، ومنه ما يكونعلاجيًا فالدعاء الوقائي ؛كقوله عليه السلام :
( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال ). [ رواه أحمد والشيخان عنأنس ]
والذي يؤمن بهذا الحديث وأمثاله ويعمل بها ، والذي إذا أصابه همفقرأها ، فإن الله سبحانه سيزيل عنه الهم والحزن ...ويقول سبحانه وتعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام وقد ضاق صدره وحزنلكلام الكفار عليه ( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بمايقولون ، فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).فتسبيح الله عز وجل من الأشياء التي تزيلالهم والحزن .
رابعًا: تقدير أسوا الاحتمالات والنظر إلىمن هو أسوأ حالاً : وهذه قضية يستعملها الأطباء النفسيون ، ولكن نبينا وحبيبنا عليه السلام استخدمها قبلهم؛ كما في حديث خباب بن الأرت .. عندما كان الصحابة في مكة يضطهدون ويسامون العذاب الشديد على أيدي الكفار ، فجاء خباب إلى رسول الله وكان متوسدًا بردة في ظل الكعبة ، وقال له : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال عليه السلام (قدكانمنقبلكم ، يؤخذالرجلفيحفرلهفيالأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ، لا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون).
[رواه البخاري في علامات النبوة ]
فهذه طريقة في العلاج النفسي،إذا أتاكإنسان أصيب بمصيبة،فقل له : هناك أناس أصيبوا أكثر منك .
فمثلاً :إذا كان قد مات ولده فيحادث،فيقال له : هناك أناس ماتت العائلة كلها ، أو أن في الناس من ماتت زوجتهوأولاده وفقد كل ممتلكاته . وهذا يعني أن الإنسانإذا أصيب بمصيبة فإنه ينبغي عليه أن ينظر إلى من هو أسوأ حالاً منه فيقول : الحمدالله ؛ أنا بخير .. فالفقير ينظر إلى من هو أفقر منه فيدرك نعمة الله عليه ، ويصلحهذا في أي أمر من أمور الدنيوية .
خامساً : الواقعية في النظر إلى الحياةوالشمولية ، والبعد عن نظرة الكمال الخالية : إن هناك بعض الناس يكتئبون ؛ لأنهم يفكرون خطأ .. وبالطبع فإن المكتئب يفكر بشكل خاطىء ، ولكن المقصود من النظرية أن من الناس منيصبح مكتئباً بسبب الخطأ في التفكير وهذا أمر واقع أحياناً .. إذ أن لبعض الناسنظرة خيالية ؛فأحدهم يقول : أنا لا يمكن أن أكون سعيدًا إلا والناس الذين من حولي راضونعني والموظفون الذين معي ينبغي أن يكونوا راضين عني ؛ فهذا أمر غير واقعي ؛ إذ لابد من وجود أناس غير راضين عن هذا الشخص ، وأناس راضين عنه ، وهذا أمر واقعي يعيشهكل الناس ، ولو أنه فكّر بواقعية وتذكر إن إرضاء الناس كلهم غاية لا تدرك ، لكان قدعاش حياته مطمئنًا مرتاح البال من هذه الناحيةوذكرالشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه اللهفي كتاب (الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ) حول موضوع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يكره مؤمن مؤمنة ؛ إن كره منها خلقاً رضي منها آخر).. [ رواه مسلم ]
قال الشيخ عن هذا الحديث: (( فيهالإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب وكل من بينك وبينه علاقة واتصال ، وأنهينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه ، فإذا وجدتذلك فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك ، أو ما ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء علىالمحبة وما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة ، وبهذا الإغضاء عن المساوئ ،وملاحظة المحاسن تدوم الصحبة والاتصال ، وتتم الراحة وتحصل لك )) . انتهى كلامه ..
سادسًا : تقديم حسن الظن : وهي نفس قضية : أن النظرة الإيجابية ينبغي أن تقدم على النظرة السلبية .. فالإنسان الذي يسئ الظنبالآخرين هو الذي يتضايق ..
مثال ذلك:شخص مرّ على آخر يعرفه فلميسلم عليه ؛ فيبقى الآخر متضايقاً حزيناً متسائلاً : لماذا لم يسلم عليّ ؟ لابد أنهيكرهني ... أو كذا .. أو كذا ... ويبدأ يسيء الظن ؛ مما يؤدي به إلى حزن يوم أويمين أو حتى أكثر ، ولو أنه أحسن الظن منذ البداية وقال لنفسه : (( ربما لم يرني )) أو غير ذلك من الأعذار لما أصابه الحزن .
ولذا قال سبحانه وتعالى : ( يا أيهاالذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ) .. [ الحجرات : 12 ]
فهذا الاجتناب لأجل راحتنا نحن .. إذن نحن الذين نطمئن إذا أحسنا الظن،مع ملاحظة أن إحسان الظن لا يعني القابلية للانخداع ، كما جاء عن عمر رضي الله عنه .. يقول : ( لست بالخب والا الخب يخدعني ) فهو ليس مكاراً ولا يخدع الناس ، ولكنهأيضًا لا يخدع ؛ إذ إنه منتبه تمامًا .. ولذلك فالأمر المرفوض : هو تقديم سوء الظنوتقديم الاستنباطات الاعتباطية .
مقتبسه من كتاب : الحزن والاكتئاب في ضوء الكتاب والسنة تأليف د /عبد الله الخاطررحمه الله تعالى