السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوهام الجاهليّة الأولى: الطيرة والتشاؤم (2)
التشاؤم والتطيّر بين الماضي والحاضر
عادة التطير عادة موغلة في القدم، استخدمها أعداء الرسل في رد دعوة الحق والهدى بدعوى أنها سبب لحلول المصائب والبلايا، فقد تشاءم قوم صالح بنبيهم – عليه السلام – حيث قالوا له: {اطَّيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون }(النمل:47) . أي تشاءمنا بك وبمن اتبعك .
وتطيّر فرعونُ وقومهبموسى – عليه السلام – ومن معه، قال تعالى: { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون }(الأعراف: 131 ).
وتطير أصحاب القرية برسل الله عز وجل حيث قالوا لهم: { قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم }(يس:18).
وقد كان الرد عليهم جميعاً: أن ما حلَّ بكم من شر وبلاء إنما هو بسبب كفركم وعنادكم واستكباركم، ولا يخرج عن قضاء الله وحكمته وعدله، قال تعالى: { ألا إنما طائرهم عند الله }(الأعراف: 131).
ويذكر المؤرّخون أعاجيب المعتقدات الجاهليّة فيما يتعلّق بالتشاؤم من الحيوانات، فقد كانوا يظنّون أن السّباع والطير الجبلية إذا تحوّلت عن أماكنها ومواضعها دلّت بذلك على أن الشتاء سيشتدّ ويتفاقم، وأن الجرذان إذا قرضت ثياب أحدٍ دلّت بذلك على نقص ماله وولده، وإذا أكثرت الضفادع النّقيق دلت على فشوّ الموت، وإذا صرخت ديوك صراخاً كالبكاء فشا الموت في النساء، وإذا صرخ الدجاج مثل ذلك الصراخ فشا الموت في الرجال، وإذا صفّق ديك بجناحيه ولم يصرخ دل على أن الخير محتبس عن صاحبه، وإذا نبح كلب بعد هدأةٍ نبحة بغتة دل على أن السّرّاق قد اجتمعوا بالغارة على بعض ما في تلك الدار أو ما جاورهم، ومن سقطت أمامه حيّة من جحر أصابته مضرة، وإذا رئي في الهواء دخانٌ وظلمة من غير علة تخوّف على الناس الوباء والمرض، وإذا عوت ذئاب من جبال وجاوبتهم الكلاب من القرى المجاورة تفاقم الأمر في التحارب وسفك الدماء، فضلاً عن صورٍ أخرى كثيرة يضيق الوقت عن ذكرها وهي مبثوثةٌ في كتب التاريخ.
ومن إرث الجاهليّة التشاؤم من شهر صفر، واعتقاد كونه شهراً يجلب الشرّ معه، ولقد أورد الإمام أبي داوود صاحب السنن عن محمد بن راشد قوله: " سمعت أن أهل الجاهلية يستشئمون بصفر فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- ( لا صفر )".
ويرى بعض الباحثين أن التشاؤم من الغربان ربما يكون منشؤه من اسمه الموحي بالغربة والفراق، من هنا كثر تشاؤمهم به واستيحاشهم من رؤيته، وأشعارهم تظهر ذلك بجلاء، كمثل قول علقمة بن عبدة:
ومن تعرض للغربان يزجرها* على سلامته لابد مشؤوم
وقول غيره:
يبشرني الغراب ببين أهلي*فقلت له: ثَكِلتُكَ من بشير
وعلى الرغم من ذلك فإن العقلاء من أهل الجاهليّة كانوا يُنكرون مثل هذه التصرّفات ويسخرون ممن يُصدّقها ويتعلّق بها، وقد قالوا قديماً:
ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيامن والأيامـن كالأشائم
وكـذاك لا خير ولا شرٌّ على أحـد بدائم
لا يمنـعنَّك من بغا ء الخير تعقاد التمائم
لا والتشاؤم بالعطا س ولا التيامن بالمقاسم
قد خط ذلك في السطو ر الأوليَّات القدائم
ويقول آخر:
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
سلوهُنَّ إن كذَّبتـموني متى الفتى يذوق المنايا أو متى الغيث واقع
ويقول آخر:
الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال
ومما يُسجّل أنفتهم من هذه المعتقدات:
وما أنا ممن يزجر الطير همه* أصـاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية* أمرَّ سليم القرن أم مرَّ أغضب
وصدق قائلهم:
وما عاجلات الطير تدنى من الفتى نجاحا ولا عن ريثهن قصور
منقول