بل أستطيع !!...) للدكتور ناصر العمر .. حفظه الله ..
======================================
يقول ابن القيم- - : لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته ؛ لأزاله .
لقد توصلت - بعد سنوات من الدراسة والبحث والتأمل- إلى : أنه لا مستحيل في الحياة ؛ سوى أمرين فقط !!.
الأول
: ما كانت استحالته كونية ( فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)
(البقرة: من الآية258)
الثاني : ما كانت استحالته شرعية ؛ مما
هو قطعي الدلالة ، والثبوت ، فلا يمكن أن تجعل صلاة المغرب ركعتين ، ولا أن
يؤخر شهر الحج عن موعده ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) (البقرة: من
الآية197) ، ولا أن يباح زواج الرجل من امرأة أبيه ( إِنَّهُ كَانَ
فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً )(النساء: من الآية22)
وما عدا هذين الأمرين وما يندرج تحتهما من فروع ؛ فليس بمستحيل .
قد
تكون هناك استحالة نسبية لا كلية ، وهو ما يدخل تحت قاعدة عدم الاستطاعة
فقد يعجز فرد عن أمرٍ ؛ ولكن يستطيعه آخرون، وقد لا يتحقق هدف في زمن ؛
ولكن يمكن تحقيقه في زمن آخر ، وقد لا يتأتى إقامة مشروع في مكان ، ويسهل
في مكان ثان ، وهكذا .
إن الخطورة: تحويل الاستحالة الفردية ، والجزئية ، والنسبية ؛ إلى استحالة كلية شاملة عامة ..
إن
عدم الاستطاعة هو تعبير عن قدرة الفرد ذاته ، أما الاستحالة ؛ فهو وصف
للأمر المراد تحقيقه ، وقد حدث خلط كبير بينهما عند كثير من الناس ،
فأطلقوا الأول على الثاني .
إن من الخطأ أن نحول عجزنا الفردي إلى استحالة عامة ؛ تكون سبباً في تثبيط الآخرين ، ووأد قدراتهم ، وإمكاناتهم في مهدها .
إن
أول عوامل النجاح ، وتحقيق الأهداف الكبرى هو: التخلص من وهم ( لا أستطيع –
مستحيل ) ، وهو بعبارة أخرى: التخلص من العجز الذهني ، وقصور العقل
الباطن، ووهن القوى العقلية . إن الأخذ بالأسباب الشرعية ، والمادية يجعل
ما هو بعيد المنال حقيقة واقعة . إن كثيراً مـن الـذين يكررون عبـارة : لا
أستطيـع ، لا يشخصون حقيقة واقعـة ،يعذرون بها شرعاً وإنما هو انعكاس
لهزيمـة داخلية للتخلص من المسئولية .
إن من الخطوات العملية
لتحقيق الأهداف الكبرى هو: الإيمان بالله ، وبما وهبك من إمكانات هائلة
تستحق الشكر. ومن شكرها : استثمارها ؛ لتحقيق تلك الأهداف التي خلقت من
أجله .
أي عذر لإنسان ؛ وهبه الله جميع القوى التي تؤهله
للزواج ، ثم هو يعرض عن ذلك دون مبرر شرعي .. إن هذا من كفر النعمة لا من
شكرها ، وهو تعطيل لضرورة من الضرورات الخمس التي أجمعت جميع الديانات
السماوية على وجوب المحافظة عليها ، وهو النسل . وحري ، بمن فعل ذلك أن
تسلب منه هذه النعمة الكبرى ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7) . وقل مثل ذلك : في كل نعمة ، وموهبة وهبها الله
الإنسان .
إنني لست بصدد بيان عوامل النجاح ، ومرتكزات القيادة
، والريادة ؛ ولكنني أحاول أن أزيل هذا الوهم الذي سيطر على عقول كثير من
رجال الأمة، وشبابها؛ فأوصلنا إلى الحالة التي سرّت العدو ، وأحزنت الصديق .
إن الأمة تمر بحالة تاريخية ذهبية من العودة إلى الله ، وتلمس طريق النجاة
، والنجاح ، والسعادة ، والرقي . وإذا لم تستثمر تلك الإمكانات ، والطاقات
الهائلة ، والأمة في حال إقبالها ؛ فإنه سيكون الأمر أشد وأعسر في حال
فتورها . إن من الأخطاء التي تحول بين الكثيرين ، وبين تحقيق أعظم الأهداف ،
وأعلاها ثمناً تصور أنه لا يحقق ذلك إلا الأذكياء . إن الدراسات أثبتت أن
عدداً من عظماء التاريخ كانوا أناساً عاديين ، بل إن بعضهم قد يكون فشل في
كثير من المجالات كالدراسة مثلاً . لا شك أن الأغبياء لا يصنعون التاريخ ؛
ولكن الذكاء أمر نسبي يختلف فيه الناس ويتفاوتون ، وحكم الناس غالباً على
الذكاء الظاهر ، بينما هناك قدرات خفية خارقة لا يراها الناس ؛بل قد لا
يدركها صاحبها إلا صدفة ، أو عندما يصر على تحقيق هدف ما ؛ فسرعان ما تتفجر
تلك المواهب مخلفة وراءها أعظم الانتصارات ، والأمجاد .
إن كل الناس
يعيشون أحلام اليقظة ، ولكن الفرق بين العظماء وغيرهم : أن أولئك العظماء
لديهم القدرة ، وقوة الإرادة والتصميم على تحويل تلك الأحلام إلى واقع
ملموس ، وحقيقة قائمة ، وإبراز ما في العقل الباطن إلى شيء يراه الناس ،
ويتفيئون في ظلاله .
إن من أهم معوقات صناعة الحياة :
الخوف من
الفشل ، وهذا بلاء يجب التخلص منه، حيث إن الفشل أمر طبيعي في حياة الأمم ،
والقادة ، فهل رأيت دولة خاضت حروبها دون أي هزيمة تذكر ؟! وهل رأيت
قائداً لم يهزم في معركة قط ؟! والشذوذ يؤكد القاعدة ، ويؤصلها ، ولا
ينقضها. إن من أعظم قادة الجيوش في تاريخ أمتنا – خالد بن الوليد – سيف
الله المسلول ، وقد خاض معارك هزم فيها في الجاهلية ، والإسلام ، ولم يمنعه
ذلك من المضي قدماً في تحقيق أعظم الانتصارات ، وأروعها .. ومن أعظم
المخترعين في التاريخ الحديث ؛ مخترع الكهرباء ( أديسون ) وقد فشل في قرابة
ألف محاولة ؛ حتى توصل إلى اختراعه العظيم ، الذي أكتب لكم هذه الكلمات في
ضوء اختراعه الخالد ..
وقد ذكر أحد الكتاب الغربيين ؛ أنه لا يمكن أن
يحقق المرء نجاحاً باهراً حتى يتخطى عقبات كبرى في حياته . إن الذين يخافون
من الفشل النسبي ، قد وقعوا في الفشل الكلي الذريع ( أَلا فِي الْفِتْنَةِ
سَقَطُوا ) (التوبة: من الآية49)
(ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر)
إن
البيئة شديدة التأثير على أفرادها ؛ حيث تصوغهم ولا يصوغونها ( إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى )( وَإِنَّا عَلَى
آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)(الزخرف: من الآية23 ) ، ولذلك فهي من أهم الركائز
في التقدم ، أو التخلف ، والرجال الذين ملكوا ناصية القيادة والريادة ؛لم
يستسلموا للبيئة الفاسدة ولم تمنعهم من نقل تلك البيئة إلى مجتمع يتسم
بالمجد والرقي والتقدم ؛ ولذلك أصبح المجدد مجدداً ؛ لأنه جدد لأمته ما
اندرس من دينها وتاريخها وقد ختمت النبوة بنبينا محمد - - فلم يبق إلا
المجددون والمصلحون ؛ يخرجونها من الظلمات إلى النور فحري بك أن تكون أحد
هؤلاء .
وأختم هذه المقالة بإشارات تفتح لك مغاليق الطريق :
1-
ذلك الكم الهائل من عمرك والذي يعد بعشرات السنين ، قد تحقق من أنفاس
متعاقبة وثوان متلاحقة ، وآلاف الكيلو مترات التي قطعتها في حياتك ؛ ليست
إلا خطوات تراكمت فأصبحت شيئاً مذكوراً. وكذلك الأهداف الكبرى ؛ تتحقق
رويداً رويدا ، وخطوة خطوة ، فعشرات المجلدات التي يكتبها عالم من العلماء ،
ليست إلا مجموعة من الحروف ضم بعضها إلى بعض ، حرفاً حرفاً ؛ فأصبحت
تراثاً خالداً على مر الدهور والأجيال .
2- علو الهدف يحقق
العجائب ، فمن كافح ليكون ترتيبه الأول ؛ يحزن إذا كان الثاني ومن كان همه
دخول الدور الثاني ؛ يفرح إذا لم يرسب إلا في نصف المقررات والمواد .
وإذا كانت النفوس كـباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
مـن يهـن يسهــــــل عليه *** ما لجــــرح بميت إيـلام
3-
الإبداع لا يستجلب بالقوة , وتوتر الأعصاب ؛ وإنما بالهدوء , والسكينة
وقوة الإيمان , والثقة بما وهبك الله من إمكانات ، مع الصبر والتصميم ,
وقوة الإرادة والعزيمة ؛ ولذلك فأكثر الطلاب تفوقاً ؛ أكثرهم هدوءاً ,
وأقلهم اضطراباً عند الامتحان . وكان النبي -- أشجع الناس ، وأربطهم جأشاً ،
وأثبتهم جناناً ، وأقواهم بأساً ؛ يتقون به عند الفزع لا يعرف الخوف إلى
قلبه سبيلاً .
4- التفكير السليم المنطقي يقود إلى النجاح ،
والتخطيط العلمي العملي طريق لا يضل سالكه . وفشل كثير من المشروعات منشؤه
الخطأ في طريقة التفكير ، والمقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة .
5-
الواقعية لا تتعارض مع تحقيق أعظم الانتصارات , والريادة في صناعة الحياة ؛
بل هي ركن أساس من أركانها ، وركيزة يبنى عليها ما بعده ، وعاصم من الفشل
والإخفاق بإذن الله .
6- كثير من المشكلات الأسرية , والشخصية ,
والاجتماعية ؛ منشؤها توهم صعوبة حلها , أو استحالته . بينما قد يكون الحل
قاب قوسين أو أدنى ؛ ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وتفكير ، يبدأ من تحديد
المشكلة ثم تفكيكها إلى أجزاء ، ومن ثم المباشرة في علاج كل جزء بما يناسبه
.
7- (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين ُ)
(الفاتحة:5) جماع الأمر ، ومدار العمل ، والقاعدة الصلبة التي بدونها تكون
الحياة هباء منثوراً .
أخذنا من وقتكم كثيراً ، فهلموا إلى العمل والمجد
والسلآمُ عليككم ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ ،
أرجو الرد + التقييم = جزآكمُ اللهُ خيراً